Mohammed Bindakhil @mohammedbindak

من أخطر الأوهام التي يقع فيها الإنسان أن يظن أن اكتماله مرهون بوجود شخص آخر. فنبحث عن الحب، عن الصديق، عن الشريك، كما لو أن سعادتنا قطعة ناقصة لا تكتمل إلا بهم. لكن الحقيقة أن كثيرًا من العلاقات التي نحياها ليست إلا سرابًا، يروي العطش لحظة، ثم يترك خلفه صحراء أوسع. الوهم يبدأ…

يا ما على درب المفارق تمشّـــيت أعدّ خطاوي والليالي طِوالــي أطوي مسافاتٍ وجرحي تسلّـــيت وأعانق أيّامٍ مضنّت حبـــالي ماضيٍ بوجهي مثل طيفٍ تسجّــيت وألقى به أنسٍ ما لقيته بظلالــي يا لهف نفسي عقب الأحباب ضويــت أدور بقاعٍ ما وطاها خيـــالي والذكريات اللي على البال حيّـــت…

ليس أخطر ما في الدنيا أن يخذلنا الآخرون، بل أن نكتشف فجأة أنّنا كنا نعيش وراء زجاج هشّ ظننّاه جداراً صلباً. الزجاج يشفّ، يسمح للنور أن يدخل، لكنه لا يمنع السهام إذا أُطلقت نحونا. حين ينكسر ذلك الزجاج، لا ينكسر بصوتٍ فقط، بل بشظايا صغيرة تتوزّع في الروح، فلا تدري أيّها ستجرحك غداً…

الماضي ليس صندوقاً نخزنه في زوايا الذاكرة، بل كائن حيّ، ينام حين ننام ويستيقظ قبلنا، يطلّ من المرايا حين نسرّح شعورنا، ويتسلل من أصواتنا حين نضحك أو نتألم. هو أشبه بضدّ الزمن؛ كلما أردنا الهروب منه اقترب أكثر، وكلما ظننّا أننا دفناه في تراب النسيان، عاد ليمدّ يده من باطن الأرض…

التخلّي ليس دائمًا نهاية حزينة، بل أحيانًا هو أجمل بداية. هو أن تعرف متى تغلق الصفحة دون أن تمزقها، ومتى تقول “يكفيني” دون أن تشعر بالذنب. في الأدب، كثير من اللحظات الخالدة وُلدت من قرار الانسحاب؛ شاعر يترك محبوبته، أو بطل يغادر مجده. التخلّي هنا فعل نضج، لا فعل هروب. لكن في…

يا الله يا منشي سحابٍ غشـــاوي   تسقي قلوبٍ ضامياتٍ هويّه إن راح من دنياك غالي الغلاوي   يعطيك ربّك في غيابه عطيّه اللي خسر شيٍ عطاه الجزاوي   عَوّضه المعبود خيرٍ وقِـويّه ما هي على العاقل غرابيل داوي   لو جرّع المرّه سنينٍ عصيّه واللي نهاره غاب عنّه سناوي   تطلع شموس العوض…

أمرّك بخاطري ما بين لحظة والتياع ولا أمدّك بيده، ولا أصدّك بظنّه كأني على صمتك أهاجر بلا قاطع شراع ولا بان في وجهي تعب، ولا شكتني ونه أقابل كثير، وكل وجهٍ على البال ضياع وأمشي وكأني ما فقدتك ولا لك منّه أجيك على ذكرك، وأنا من حضورك جياع وأداري حنيني لا يحسّوا بقلبي جنّه حكيتك…

"الذي لا يملكه أحد” في كل مكان، هناك سباق خفي. من يمتلك أكثر؟ من يلبس الأثمن؟ من يسكن الأعلى؟ من يأكل الأفضل؟ والأغرب من يُظهر ذلك أكثر؟ لكن هناك شيء لا يمكن لأحد أن يمتلكه منك، ولا أن يشتريه، ولا أن يقلده، ولا أن يستعيره ليحاكيك طريقتك طريقتك في اتخاذ القرار تحت ضغط لا يُحتمل.…

"الذي لا يملك جرحًا لا يستحق نضجًا" النضج لا يُولد مع الإنسان، بل يُنتزع منه. كل من تراه هادئًا اليوم، مرّ بعاصفة شتمت فوضاه وهدّت غروره. وكل من تراه عاقلًا، خسر في لحظةٍ ما جنونه على يد خيبةٍ لا تُروى. لا أحد ينضج من الكتب ولا من الحكايات. النضج الحقيقي يولد حين تصفعك الحياة…

أنا ما كتبت الغيم، لين أوصافها تنقال، ولا مدّيت حرفي، لين شفت فـ الهقوة رجال، أنا من سلالة عز، ولللي يعشقونْ أفعال، عرفتكْ زين من طيفٍ تعدّى كلّ الأقوال، طويله مثل رمحٍ ما يلين ولا انحنى للبال، طوالكْ ما يوصفه الشعر، ولا يلمسه موّال، وشعركْ غيم ساري، فيه برقٍ للهوى ميّال،…

"كل شيء مزيف، إلا تعبي” أنا لا أغار من أحد، لكني أشفق أحيانًا. أشفق على من باع جزءًا من نفسه ليشتري صورة جميلة… ثم قضى نصف عمره يُقنِع الناس أنَّه سعيد. كل شيء صار قابلًا للتأجير: الابتسامة، الرأي، وحتى المبادئ. تريد حوارًا عميقًا؟ تحتاج ميزانية. تريد وفاءً؟ تأكد أولًا من أن…

في ماربيا، وكان، وباريس، ولندن لا تظن أن ما تراه رفاهية فحسب. خلف طاولات المطاعم الفاخرة، في صفوف المقاهي المزدحمة، وعلى أرصفة الأسواق التي تشع بماركات الوجاهة تدور مسرحية مكشوفة، لا تحتاج كثير فطنة: ثلة من الرجال الأثرياء في المقدمة، وخلفهم “الزفة” كتيبة من الإناث تُلاحقه أينما…

في عالم المال والأعمال، كثير من الأصول لها سعر: الأسهم، العقارات، العلامات التجارية، حتى “الوقت” يمكن تقييمه بسعر الساعة. لكن هناك أصل واحد لا يُقدّر بثمن ولا يُدوَّن في الميزانية: السمعة. السمعة لا تُبنى بالإعلانات ولا بشراء المتابعين. إنها تتكوّن من سلسلة قرارات صغيرة، من…

بعد ثلاثة عقودٍ من العمل في ميدان إدارة الثروات، لم يعد الأمر مجرد مهنة، بل مرآة كشفت لي كثيرًا من الحقائق التي تُقال همسًا وتُمارَس جهارًا. ومن أبرز ما وقفت عليه: أن غالبية أصحاب الثروات في وطننا ما زالوا يؤمنون بنظرية “الأجنبي/الوافد يكتم السر” أكثر من إيمانهم بابن الوطن. نعم،…

النسيان ليس عيبًا، بل حكمة إلهية كثيرًا ما نرى النسيان كعدو. نتأسف حين ننسى، نلوم ذاكرتنا، نحتقر هشاشتنا أمام الزمان. لكن لو نظرنا بعمق، لوجدنا أن النسيان ليس عجزًا بل ضرورة. بل رحمة. بل نظام دفاع خفي لحماية الإنسان من الانهيار. لو كنا نتذكّر كل شيء، كل التفاصيل، كل الجراح، كل…

بـيـانُ رحيلُكِ صـوتٌ يُـدوّي، وَقَعْـهُ على القلبِ لا يُحْتَوَى كـأنَّ الـحـياةَ تُـوارى السُّكونَ، وتـرمي بـنا للـذي لا يُـرَى كـأنّ الـزمانَ انـحنى من حـنينٍ، وصاحَ: بيانُ أما من بَـقَا؟ تـوارَتْ كـما الـنجمُ يَـخبو، وكـم من حَياةٍ خَفَتْ وانْطَفَا ولم يبقَ منكِ سوى الهمسُ…

في الحياة أمور حين تنكسر لا تُجدي معها محاولات الترميم. ليس لأننا عاجزون عن إصلاحها، بل لأن عُمرها انتهى، والاحتفاظ بها بعد تلفها لا يعني إلا تكديس الخيبة في الذاكرة. العلاقات التي نُعيد تشغيلها عشر مرات لا تعود كما كانت. الكلمات التي قيلت في لحظة غضب لا تُمحى حتى بعد ألف…

في زمنٍ لم تعد فيه المشكلة هي غياب الإمكانيات، بل وفرتها المفرطة، ظهر خلل وجودي في الإنسان الحديث: لا يعرف كيف يتصرف حين تتاح له كل الخيارات. فالخطر لم يعد في الفقر أو المنع، بل في الوفرة بلا وعي، والحرية بلا نية. نحن جيل يملك كل شيء: المال، الوقت، المعرفة، الأدوات، وحتى…

ليس كل ما يزحف وئيدًا راضٍ بما هو عليه. حتى النملة، في لحظة مجنونة، تحلم بأن تنبت لها أجنحة. لكن من علّمها أن الطيران ميزة؟ ومن قال إن ما لا يعلو، لا يُعتَبر؟ الإنسان كذلك. لا يحلم لأنه يعرف ما يريد، بل لأنه يرى من حوله يعلو، فيتخيل أن الارتفاع فضيلة بحدّ ذاته. يركض ليصبح ما ليس…

“أوهام الرفاه حين يختنق الإنسان من عطاياه” في زمنٍ تتكدّس فيه الخيارات، وتُفتح فيه الأبواب بلمسة إصبع، لم يعد الإنسان حراً كما يظن… بل غدا عبداً لصوره، لاحتياجاته المصطنعة، ولصدى إعجاباتٍ لا يُسمع فيها صوت القلب. نُربّى اليوم على فكرة أن النجاح هو أن نُرى، لا أن نكون. أن نملك،…